رياض بك آخر الفرسان العرب

رياض بك التامر

قال المؤرخ الكبير السيد حسن الأمين، ابن العلامة سماحة السيد محسن الأمين ـ قدس الله سره ـ في جزء من أجزاء كتابه "أعيان الشيعة" عن رياض بك التامر، أنه آخر الفرسان العرب لعدة أسباب : منها موقعة وادي الحجير، التي اتفق فيها كبار شخصيات جبل عامل على الالتقاء لمباحثة الموقف اللبناني السياسي فيما يختص بمقاومة الفرنسيين، ومناقشة الوضع العربي بشكل عام. إلا انه لم يصل إلى المكان المحدد للاجتماع أي أحد من الشخصيات إلا رياض بك التامر .. وقد لجأ البعض إلى تبرير تخلفهم عن الاجتماع بأعذار واهية أو بحجة المرض، وقد ذكر السيد حسن الأمين ـ رحمه الله ـ تلك الشخصيات بالاسم.

وهذا ليس بالغريب عن رياض بن محمد بك التامر، إذ كان يتمتع بمواصفات تؤكد ما قاله السيد حسن الأمين ـ رحمه الله ـ ويظهر ذلك بأبيات من العتابة قالها أحد رجاله واصفا رياض بك:

أنت بحرا وأنت نهرا وأنت عين
وأنت قاعد وأنت نايم وأنت عين
وأنت فارس وأنت ضيغم وأنت عين
النشامة عند ما تلبي الطلب

إضافة إلى ذلك، فقد كان رياض بك التامر يتميز بشياكة معشره ومظهره، وكان لقيافته المكلفة المتميزة الصيت الذائع في لباسه عندما يكون في بيروت مرتديا البدلة والطربوش، أو بلباسه العربي عندما يكون في الجنوب بالعقال والحطة والمشلح الفاخر. زيادة على ذلك، فقد تميز أيضا بتمسكه والتزامه بالعادات العربية الأصيلة من كرم الضيافة، إذ كانت لا تطفأ نار موقدته لا ليلا ولا نهارا لتحتفظ بسخونة القهوة بأصنافها: مرة، حلوة، شقراء وسمراء. وكان رياض بك يلجأ إلى استدراج الضيف؛ فعامل القهوة يضرب على مهباج البك إعلانا عن انتهائه من إعداد القهوة وجهوزيتها. كما كان على العامل أن يرمي برماد النار وتفل البن المتبقي بجانب حائط الديوانية المخصصة للضيوف المسماة القهوة، وذلك لتكديسها أمام الباب حتى يعلم القادم كرم هذا البيت من حجم ما تجمع من تفل البن والرماد. كل ذلك من العادات التي اشتهر بها العرب وأمراؤهم؛ حتى قال فيه أحد شعراء جبل عامل:

ورياض بك فيه جنون                        إذا مد الموائد للضيوف

كذلك تميز رياض بك التامر بخيوله في الجنوب، فقد كان فارسا خيالا. عرف عنه أيضا حدة الطبع، فكان إذا غضب لأي سبب سواء كان عائليا أو سياسيا أو اجتماعيا، يكون غضبه شديدا، مما يجعل من حوله على يقين بأنه ليس هناك غضب مثل غضبه، لدرجة أن أبناءه أو رجاله (الذين لا يفرقهم عن أولاده) إذا ما رأوه غضبان، يختفون من أمامه. لكنه كان يعلم بمكان اختباء كل واحد منهم ... وما هي إلا دقائق حتى يعود إلى هدوئه ويصيح عليهم أن يأتوه، ولكنهم لا يأتونه إلا بعد أن يقسم أنه لن يتعرض لهم، فيعودون إليه، ويلتفون حوله، وتبدأ جلسات السمر وشرب القهوة والشاي.

الصفحة التالية : الجانب الآخر من شخصية رياض بك التامر



بقلم: عبدالله زيدان - تحقيق ومراجعة: ماجد حسين التامر